عَهِدناك صباً بالوفاء فما لنا | نرى ماءَ ذاكَ العهدِ قد صارَ يَنضُبُ
|
قسوتَ وما عهدي بقلبك صخرةٌ | فجوهرُكُ السيَّالُ بالرفق أنسَبُ
|
فرحماكَ نهرَ النيلِ بالأَنفسِ التي | إذا لم تدارَكها بِرُحمَاكَ تعطَبُ
|
ورفقاً بهيمٍ ضامراتٍ بُطُونُها | لها الجوعُ عُشبٌ والخصاصَةُ مَشربُ
|
يَبيتُ حزيناً رَبُّها لِمُصابِها | فيَطوى كما تَطوى الليالي ويَندُب
|
لقد عاش هذا القفر دهراً حظيرةً | من الخِصبِ في ألوانها تتقلبُ
|
بها ما يشاءُ الطرفُ من حسنِ منظرٍ | أنيقٍ وما تهوى القلوبُ وترغبُ
|
فما زالَ سهمٌ للرزايا يصيبُها | وسهمُ الرزايا في الورى لا يخيبُ
|
إلى أن غدت قفراً فلا غصن ناضرٌ | يلوحُ بمغناها ولا روضَ مُخصِبُ
|
وكان البنانُ الرطبُ يحسدُ لينَها | فأضحت كصُمِّ الصخرُ أو هي أصلَبُ
|
فَمُدَّ يداً بيضاءَ مِنك تُنيلُها | مِنَ الخير ما تَرجو وما تَتَطلَّب
|
وليس لنا إلا الدموع وسيلةٌ | إليك فإن الشبه بالشبه يُجذَبُ
|
وقد كانَ في فَيض المدامِعِ ناقِعٌ | لِغُلَّتِنا لو كانَ مِثلُك يَعذِبُ
|
فقدنَاكَ فُقدانَ الرضيعِ لأُمِّه | ولَم يَبقَ مَن يحنُو عليه ويَحدَبُ
|
فما كنت إلا الروح فارق جسمه | فأني له من بعد في العيش مَأرب
|
لئن كان قد أقصاكَ قلةُ شكرِنا | لنعماكَ والهِجرانُ نعمَ المؤَدِّبُ
|
فها يدُنا أن لا نعودَ رهينةَ | وأن لا نزالَ الدهرَ بالشكر نَدأَبُ
|
لعلكَ خِلتَ الأَرضَ يَبلغ رِيَّها | دماءٌ بأَصقاعِ الجنوبِ تَصبَّبُ
|
أجل غيرَ أنَّ الحر تكبر نفسه | عن الأمر فيه ما يُهين ويثلبُ
|
فمن ذا الذي يرضى الحياةَ يشوبُها | من الجَورِ عيشٌ بالدِّماءِ مُخَضَّبُ
|
أما في قلوبِ الناسِ للناس رحمةٌ | وتُرضِعهم أُمٌ ويجمَعُهم أَبُ |