سوق القريعة الدار البيضاء الاسبوعي
عالم خاص
سوق القريعة الاسبوعي
كوكتيل حيوانات أليفة بطعم عالمي
عبد الوهاب بارع
الأقفاص بشتى أصنافها تلج السوق محمولة بإهمال بأيدي مرتخية، وأخرى محضونة
فوق أيد تحملها كأنها في معرض للتحف الفنية. العيون مشدودة إلى مدخل صغير
على حافة سوق الفحم، تطيل النظر، وتسبق الخطوات المتسارعة لدخول السوق في
بحث عن أصدقاء، واكتشاف أولي لمعالم يوم جديد في سوق العيون للحيوانات
الاليفة بالدارالبيضاء، بعد انتظار أسبوع كامل.
اللهفة بادية على جل القادمين، بينما يخرج البعض بخطوات مترددة ومتثاقلة
كأنها تنصرف مرغمة من زاوية اغترف مريدها ما أشبع روحه وأرضى خاطره ليخرج
بجسده ويبقى قلبه هناك الى أن يعود إليه بعد أسبوع، لتتجدد عهدة المحبة
والوصال مرة أخرى...
الحسون أكثر العصافير شعبية
جناح العصافير المغردة المتعارف عليه في السوق يطالعك أول ما تطأ قدماك
الباب الصغير، والذي لا يكاد يخلو من داخل أو خارج. أقفاص على شكل صناديق
الخضر الخشبية مغطاة بشباك صغيرة تظهر جليا تحتها مجموعة من طيور الحسون
تختلف أعمارها بين بالغ «محمر»، وهو ما يصطلح عليه ب«الخلوي»، وإذا كان
كبيرا في السن يسمى «جدر». وبين صغير في السن ويسمى «القرع» وهو أيضا إما
صغير جدا مازالت علامات صفار في خلف منقاره دلالة على أنه مازال يستجدي أن
يطعمه والداه، وإما كبيرا كفاية ليكون قادرا على تدبر مطعمه. الأخبار
المتداولة مؤخرا عن هذا الطائر تنبئ بقرب حلول كارثة الانقراض حيث اكد
العديد من الصيادين و الذين كانوا يجلبونه بالمئات في مدة ثلاث ايام، انهم
اصبحوا يمضون ازيد من اسبوع لجلب 40 او 100 طائر في افضل الحالات، وهذا ما
اجج الاسعارالتي انتقلت من 5 و 10 دراهم الى ازيد من40 درهما مع العلم ان
حياة الطائر غير مضمونة باعتباره سيدخل القفص لأول مرة بعد الحياة في
الطبيعة. وإذا ما تتبعت المعروضات من طرف شباب وشيوخ- لا وجود لسن او جنس
محضور بهذا السوق - قد تختار عيناك التمعن في طائر كناري يغرد بصوت مرتفع
بطريقة استعراضيه مثيرة، وقد تستوقفك طيور غير ذائعة الصيت كالحسون
والكناري «والميستو» وهو هجين بينهما، لتجعلك الرغبة في معرفة أكثر، إلى
سؤال أصحابهم، لتتعدد إجاباتهم بأسماء طيور مختلفة الأشكال والألوان، فتسمع
كلمات مألوفة وأخرى قد تطرق اذنيك لأول مرة، «الولوال»، «البوح»،
«الحداد»، «البيو»، «الهزار»، «قماتشو»، «الوطواط»... قد تسأل إذا كنت قليل
الإلمام أو ذا معرفة بسيطة بأحد الطيور «واش هذا ولوال؟» وفي الحال يرد
صاحبه: «لا هذا الرميلية غير كايشبه لي بزاف هو من نفس الفصيلة وحتى هو راه
فيه هضرة زوينة...». الباعة هناك تعلموا قراءة الزوار والتمكن من معرفة
غرض وقوفهم عليهم وقياس مدى رغبتهم في اقتناء المعروضات . ويمكن أن يسترعي
انتباهك رواد أو باعة في السوق بلحاهم المتدلية وألبستهم التقليدية يناقشون
مواضيع شتى، لكنها لا تتجاوز عالم الطيور.
بعض البائعين والزائرين أيضا يأتي من مدن أخرى ، كالقنيطرة، وفاس، ومكناس، و
خريبكة المشتهرة بطيور الكناري، ناهيك عن سكان ضواحي الدار البيضاء وبعضهم
لا يتطلب مجيئهم سوى ركوب الحافلة أو دراجة نارية أو هوائية، أو قد يصل
ماشيا على قدميه خصوصا إذا كانت رفقة في الطريق حيث تذوب المسافات تحت صهد
اللسان.
الحمام وطيور الحب، تنوع زاخر
يتخذ رواق الحمام شكلا دائريا موسعا تؤثته صناديق وأقفاص كبيرة أو حتى علب
كرطونية ضخمة تقف فيها بهدوء أعداد كثيرة وأصناف متنوعة من الحمام
«كالبلدي» «الفاياجور» «السيفيانوس»، «كابيتشو»، «الفعل»، «العنبر»... وعلى
الأرض تستعرض بعض ذكور الحمام بصدورها المنتفخة، فحولتها وأناقتها أمام
أنظار الزوار المعجبين لتسمع أسماء ألوان بقاموس خاص كالبدعي، القرطاسي،
الغرابي، الصلصالي، الوزغي، حجر الواد، الوردي...
موقع الطيور من فصيلة الببغاوات يتحد مع الرواقين في الجانب الآخر، لتجذب
انتباهك أصواتها المرتفعة في صرير قد يزعجك أحيانا، لكن ليس إذا تأملت في
أشكالها وألوانها المتنوعة والزاهية، والتي قد تحيلك الى استراليا و جزر
الكاريبي أو الغابات الاستوائية. الطائر المشهور والمتواجد بكثرة البادجي
الأسترالي «البيروش» شهد ثمنه تطورا ملحوظا بعد فترة ليست بالبعيدة، إذ
يتجاوز الضعف أحيانا، وذلك لتزايد الطلب عليه من طرف مقتنون إسبان يأخذونه
إلى إسبانيا وباق دول أوربا، حسب إفادة معظم البائعين والزوار على حد سواء،
أما طيور الحب «الأنسيبارابل» فانتشارها بالأسواق المغربية بها ليس طويلا،
إذ لا يتعدى سنينا قليلة. إضافة لأنواع أخرى تشترك كلها في الفصيلة. وإن
اختلفت أشكالها وألوانها قليلا.
الكلاب متعة ممزوجة بالحذر
قبل أن تصل إلى مكان عرض وبيع الكلاب قد تصادف هنا أو هناك مجموعة من
الأرانب بأنواع وأحجام قد تراها لأول مرة أو ديكا عجيب الشكل أو حتى قطة
يبدو أنها مميزة يجلس صاحبها القرفصاء واضعا إياها بين ركبتيه. عالم الكلاب
يبعث فيك قشعريرة ورهبة خاصة سرعان ما تنجلي عندما ترى عارضيها يُربتون
على رؤوسها الضخمة أو المكسوة بشعر أشعث بأنيابها الحادة. سلالات كثيرة
وحكايات تتحدث عن تشبث بعض أصحاب الكلاب بها رغم العروض المغرية والأثمنة
الباهضة التي تقدم إليهم، يهمس أحد الزوار بصوت مرتفع لصديقه: «كون ما
شرفاتش ليه هديك الروت گاعما يجيبها للسوق. وهادوك «الجرا» كون ما كانوش
مبرهشين ما يجيبهومش هذاك لاخور..» وبجولة بسيطة هناك تتناهى إلى أذنيك
أسماء لاتينية الأصل لكلاب تسيطر على مساحة شاسعة في منتهى السوق، البيرجي
ألمون، الدوبيرمان، البيت بول، الروت، الدالماسيان، الكانيش...
الأحداث التي تتناقلها الألسن حول خطورة هذا النوع أو ذاك لا معيارلها ولا
دخل في موازين البيع والشراء هناك، بل إنها قد تكون ميزة محببة للبعض الذين
يعتمدون على بعض الكلاب في تسهيل أعمالهم خاصة العاملين في شركات الحراسة
الخاصة.
«بوعميرة» سيد أجواء السوق:
الشمس تصر على لفح وجوه المرتادين، وتضايق أيضا من ألفوا هذا السوق
الأسبوعي، بعضهم يغطون رؤوسهم بطرابيش رياضية أو نشافات و منهم من وضع
معطفه على رأسه.
جل الحيوانات تظهر عليها علامات التأثر بحر الشمس الحارقة في منتصف النهار،
فترى الطيور فاتحة فيها، وترى اللهاث و اضحا على الكلاب، وحتى البشر
يلجؤون الي بائعي المشروبات الباردة بنكهات الفاكهة المختلفة. ارتفعت
همهمات هنا وهناك، وتلتها صيحات متفرقة واشرءبت الرؤوس الى الفضاء تتابع
مطاردة مميتة وتدير رؤوسها في العديد من الاتجاهات. كانت مطاردة من قلب
البراري فوق ساحة سوق القريعة.
عصفور البادجي «بيروش» أصفر اللون يناور بكل براعة في شتى الاتجاهات، ينعطف
يمينا وشمالا بخفة مذهلة، لكن إصرار «بوعميرة» وهو طائر جارح في حجم
الحمام، ضيق على الطريدة كل سبل النجاة، رغم محاولة الطائر الخائف اللجوء
الى شرفة إحدى الشقق بعمارة مقابلة، لكنها كانت النهاية المأساوية حيث بعد
اختفاء الاثنين للحظة ظهر «بوعميرة» وهو يمسك بالمسكين بين قبضتيه متجها
نحو مسكنه الدائم فوق سطح إحدى العمارات.
ارتسمت علامات الحسرة على بعض المشاهدين الذين تمنوا نجاة طائر الحب، لكن
البعض علت وجوههم ابتسامات وضحكات و عبارات موجزة «ما تفاكش معاه»، «مشا
فيها مسكين»....
أحداث مماثلة يشهدها هذا السوق الأسبوعي بصفة متكررة، فمرارا كانت طيور
مختلفة ضحايا هذا الطائر الجارح الذي يقتنص مثل هذه الفرص، إما نتيجة خطإ
في إخراج أي طائر من القفص للتأكد من جنسه أو صحته كالكناري والبيروش
والحسون، وإما لتأكد بعض الباعة من عدم قدرة الطائر على العيش في القفص
وظهور علامات الضعف والهزال والمرض عليه «التكوبيرة» وقد يلجأ بعضهم الى
إعطاء الحرية لأنتى الحسون بعد التدقيق في جنسها لأنه غير مرغوب فيها ولا
تستطيع التغريد.
مرة أخرى ظهر حسون صغير فوق أحد أعصان شجرة قصيرة منزوية في ركن قصي من
السوق، وفجأة ودون سابق إنذار انقض عليه الموت من السماء لتسمع وصوصة خافتة
ثم يختفي بوعميرة كشبح مخيف.
آخرا وليس أخيرا :
عوالم شتى تتداخل لتشكل فضاء سوق القريعة للحيوانات الأليفة والتي قد تتوفر
على انواع لا وجود لها بين أروقة معظم حدائق الحيوان بالبلاد، لكن تبقى
العشوائية تطبع هذا السوق الذي يؤمه المئات من المواطنين باختلاف مشاربهم
ومراتبهم، بل حتى أجناسهم لتظل علامات الاستفهام تطبع الأشكال التنظيمية
التي من الواجب اتخاذها للحفاظ على مثل هذه الأسواق. وذلك بانتهاج قوانين
وتنظيمات للحفاظ على الجنس والنوع، دون التأثير سلبا على ممارسة هذا
النشاط.
عالم خاص
سوق القريعة الاسبوعي
كوكتيل حيوانات أليفة بطعم عالمي
عبد الوهاب بارع
الأقفاص بشتى أصنافها تلج السوق محمولة بإهمال بأيدي مرتخية، وأخرى محضونة
فوق أيد تحملها كأنها في معرض للتحف الفنية. العيون مشدودة إلى مدخل صغير
على حافة سوق الفحم، تطيل النظر، وتسبق الخطوات المتسارعة لدخول السوق في
بحث عن أصدقاء، واكتشاف أولي لمعالم يوم جديد في سوق العيون للحيوانات
الاليفة بالدارالبيضاء، بعد انتظار أسبوع كامل.
اللهفة بادية على جل القادمين، بينما يخرج البعض بخطوات مترددة ومتثاقلة
كأنها تنصرف مرغمة من زاوية اغترف مريدها ما أشبع روحه وأرضى خاطره ليخرج
بجسده ويبقى قلبه هناك الى أن يعود إليه بعد أسبوع، لتتجدد عهدة المحبة
والوصال مرة أخرى...
الحسون أكثر العصافير شعبية
جناح العصافير المغردة المتعارف عليه في السوق يطالعك أول ما تطأ قدماك
الباب الصغير، والذي لا يكاد يخلو من داخل أو خارج. أقفاص على شكل صناديق
الخضر الخشبية مغطاة بشباك صغيرة تظهر جليا تحتها مجموعة من طيور الحسون
تختلف أعمارها بين بالغ «محمر»، وهو ما يصطلح عليه ب«الخلوي»، وإذا كان
كبيرا في السن يسمى «جدر». وبين صغير في السن ويسمى «القرع» وهو أيضا إما
صغير جدا مازالت علامات صفار في خلف منقاره دلالة على أنه مازال يستجدي أن
يطعمه والداه، وإما كبيرا كفاية ليكون قادرا على تدبر مطعمه. الأخبار
المتداولة مؤخرا عن هذا الطائر تنبئ بقرب حلول كارثة الانقراض حيث اكد
العديد من الصيادين و الذين كانوا يجلبونه بالمئات في مدة ثلاث ايام، انهم
اصبحوا يمضون ازيد من اسبوع لجلب 40 او 100 طائر في افضل الحالات، وهذا ما
اجج الاسعارالتي انتقلت من 5 و 10 دراهم الى ازيد من40 درهما مع العلم ان
حياة الطائر غير مضمونة باعتباره سيدخل القفص لأول مرة بعد الحياة في
الطبيعة. وإذا ما تتبعت المعروضات من طرف شباب وشيوخ- لا وجود لسن او جنس
محضور بهذا السوق - قد تختار عيناك التمعن في طائر كناري يغرد بصوت مرتفع
بطريقة استعراضيه مثيرة، وقد تستوقفك طيور غير ذائعة الصيت كالحسون
والكناري «والميستو» وهو هجين بينهما، لتجعلك الرغبة في معرفة أكثر، إلى
سؤال أصحابهم، لتتعدد إجاباتهم بأسماء طيور مختلفة الأشكال والألوان، فتسمع
كلمات مألوفة وأخرى قد تطرق اذنيك لأول مرة، «الولوال»، «البوح»،
«الحداد»، «البيو»، «الهزار»، «قماتشو»، «الوطواط»... قد تسأل إذا كنت قليل
الإلمام أو ذا معرفة بسيطة بأحد الطيور «واش هذا ولوال؟» وفي الحال يرد
صاحبه: «لا هذا الرميلية غير كايشبه لي بزاف هو من نفس الفصيلة وحتى هو راه
فيه هضرة زوينة...». الباعة هناك تعلموا قراءة الزوار والتمكن من معرفة
غرض وقوفهم عليهم وقياس مدى رغبتهم في اقتناء المعروضات . ويمكن أن يسترعي
انتباهك رواد أو باعة في السوق بلحاهم المتدلية وألبستهم التقليدية يناقشون
مواضيع شتى، لكنها لا تتجاوز عالم الطيور.
بعض البائعين والزائرين أيضا يأتي من مدن أخرى ، كالقنيطرة، وفاس، ومكناس، و
خريبكة المشتهرة بطيور الكناري، ناهيك عن سكان ضواحي الدار البيضاء وبعضهم
لا يتطلب مجيئهم سوى ركوب الحافلة أو دراجة نارية أو هوائية، أو قد يصل
ماشيا على قدميه خصوصا إذا كانت رفقة في الطريق حيث تذوب المسافات تحت صهد
اللسان.
الحمام وطيور الحب، تنوع زاخر
يتخذ رواق الحمام شكلا دائريا موسعا تؤثته صناديق وأقفاص كبيرة أو حتى علب
كرطونية ضخمة تقف فيها بهدوء أعداد كثيرة وأصناف متنوعة من الحمام
«كالبلدي» «الفاياجور» «السيفيانوس»، «كابيتشو»، «الفعل»، «العنبر»... وعلى
الأرض تستعرض بعض ذكور الحمام بصدورها المنتفخة، فحولتها وأناقتها أمام
أنظار الزوار المعجبين لتسمع أسماء ألوان بقاموس خاص كالبدعي، القرطاسي،
الغرابي، الصلصالي، الوزغي، حجر الواد، الوردي...
موقع الطيور من فصيلة الببغاوات يتحد مع الرواقين في الجانب الآخر، لتجذب
انتباهك أصواتها المرتفعة في صرير قد يزعجك أحيانا، لكن ليس إذا تأملت في
أشكالها وألوانها المتنوعة والزاهية، والتي قد تحيلك الى استراليا و جزر
الكاريبي أو الغابات الاستوائية. الطائر المشهور والمتواجد بكثرة البادجي
الأسترالي «البيروش» شهد ثمنه تطورا ملحوظا بعد فترة ليست بالبعيدة، إذ
يتجاوز الضعف أحيانا، وذلك لتزايد الطلب عليه من طرف مقتنون إسبان يأخذونه
إلى إسبانيا وباق دول أوربا، حسب إفادة معظم البائعين والزوار على حد سواء،
أما طيور الحب «الأنسيبارابل» فانتشارها بالأسواق المغربية بها ليس طويلا،
إذ لا يتعدى سنينا قليلة. إضافة لأنواع أخرى تشترك كلها في الفصيلة. وإن
اختلفت أشكالها وألوانها قليلا.
الكلاب متعة ممزوجة بالحذر
قبل أن تصل إلى مكان عرض وبيع الكلاب قد تصادف هنا أو هناك مجموعة من
الأرانب بأنواع وأحجام قد تراها لأول مرة أو ديكا عجيب الشكل أو حتى قطة
يبدو أنها مميزة يجلس صاحبها القرفصاء واضعا إياها بين ركبتيه. عالم الكلاب
يبعث فيك قشعريرة ورهبة خاصة سرعان ما تنجلي عندما ترى عارضيها يُربتون
على رؤوسها الضخمة أو المكسوة بشعر أشعث بأنيابها الحادة. سلالات كثيرة
وحكايات تتحدث عن تشبث بعض أصحاب الكلاب بها رغم العروض المغرية والأثمنة
الباهضة التي تقدم إليهم، يهمس أحد الزوار بصوت مرتفع لصديقه: «كون ما
شرفاتش ليه هديك الروت گاعما يجيبها للسوق. وهادوك «الجرا» كون ما كانوش
مبرهشين ما يجيبهومش هذاك لاخور..» وبجولة بسيطة هناك تتناهى إلى أذنيك
أسماء لاتينية الأصل لكلاب تسيطر على مساحة شاسعة في منتهى السوق، البيرجي
ألمون، الدوبيرمان، البيت بول، الروت، الدالماسيان، الكانيش...
الأحداث التي تتناقلها الألسن حول خطورة هذا النوع أو ذاك لا معيارلها ولا
دخل في موازين البيع والشراء هناك، بل إنها قد تكون ميزة محببة للبعض الذين
يعتمدون على بعض الكلاب في تسهيل أعمالهم خاصة العاملين في شركات الحراسة
الخاصة.
«بوعميرة» سيد أجواء السوق:
الشمس تصر على لفح وجوه المرتادين، وتضايق أيضا من ألفوا هذا السوق
الأسبوعي، بعضهم يغطون رؤوسهم بطرابيش رياضية أو نشافات و منهم من وضع
معطفه على رأسه.
جل الحيوانات تظهر عليها علامات التأثر بحر الشمس الحارقة في منتصف النهار،
فترى الطيور فاتحة فيها، وترى اللهاث و اضحا على الكلاب، وحتى البشر
يلجؤون الي بائعي المشروبات الباردة بنكهات الفاكهة المختلفة. ارتفعت
همهمات هنا وهناك، وتلتها صيحات متفرقة واشرءبت الرؤوس الى الفضاء تتابع
مطاردة مميتة وتدير رؤوسها في العديد من الاتجاهات. كانت مطاردة من قلب
البراري فوق ساحة سوق القريعة.
عصفور البادجي «بيروش» أصفر اللون يناور بكل براعة في شتى الاتجاهات، ينعطف
يمينا وشمالا بخفة مذهلة، لكن إصرار «بوعميرة» وهو طائر جارح في حجم
الحمام، ضيق على الطريدة كل سبل النجاة، رغم محاولة الطائر الخائف اللجوء
الى شرفة إحدى الشقق بعمارة مقابلة، لكنها كانت النهاية المأساوية حيث بعد
اختفاء الاثنين للحظة ظهر «بوعميرة» وهو يمسك بالمسكين بين قبضتيه متجها
نحو مسكنه الدائم فوق سطح إحدى العمارات.
ارتسمت علامات الحسرة على بعض المشاهدين الذين تمنوا نجاة طائر الحب، لكن
البعض علت وجوههم ابتسامات وضحكات و عبارات موجزة «ما تفاكش معاه»، «مشا
فيها مسكين»....
أحداث مماثلة يشهدها هذا السوق الأسبوعي بصفة متكررة، فمرارا كانت طيور
مختلفة ضحايا هذا الطائر الجارح الذي يقتنص مثل هذه الفرص، إما نتيجة خطإ
في إخراج أي طائر من القفص للتأكد من جنسه أو صحته كالكناري والبيروش
والحسون، وإما لتأكد بعض الباعة من عدم قدرة الطائر على العيش في القفص
وظهور علامات الضعف والهزال والمرض عليه «التكوبيرة» وقد يلجأ بعضهم الى
إعطاء الحرية لأنتى الحسون بعد التدقيق في جنسها لأنه غير مرغوب فيها ولا
تستطيع التغريد.
مرة أخرى ظهر حسون صغير فوق أحد أعصان شجرة قصيرة منزوية في ركن قصي من
السوق، وفجأة ودون سابق إنذار انقض عليه الموت من السماء لتسمع وصوصة خافتة
ثم يختفي بوعميرة كشبح مخيف.
آخرا وليس أخيرا :
عوالم شتى تتداخل لتشكل فضاء سوق القريعة للحيوانات الأليفة والتي قد تتوفر
على انواع لا وجود لها بين أروقة معظم حدائق الحيوان بالبلاد، لكن تبقى
العشوائية تطبع هذا السوق الذي يؤمه المئات من المواطنين باختلاف مشاربهم
ومراتبهم، بل حتى أجناسهم لتظل علامات الاستفهام تطبع الأشكال التنظيمية
التي من الواجب اتخاذها للحفاظ على مثل هذه الأسواق. وذلك بانتهاج قوانين
وتنظيمات للحفاظ على الجنس والنوع، دون التأثير سلبا على ممارسة هذا
النشاط.