الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأصلي وأسلم صلاة وتسليما يليقان بمقام الصادق الأمين والسراج المنير، محمد بن عبد الله سيد الأولين والأخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين. وعلى آله وصحابته أجمعين، وعنا معهم بفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.
كـــــووورة مغـــــــــربيــــــــــــــــــــــــــــــة
تحية مني إليكم معاشر الإخوة. تحية جميلة الصورة، طاهرة المنبع، صادقة النطق، تحية أصلها ثابت وفرعها في السماء. أحييكم بأغلى تحية وأبهاها، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أستميحكم معاشر الإخوة لأنني أضطررت لسلك مسالك المفرقين تحت إطار القاعدة الصحيحة نظريا وتطبيقيا " فرق تسد "، لعلي أصل بكلماتي هاته لأغير من شيء ولو بالبسيط نحو الأفضل. رأيت نفسي، بل وجدتني مجبرا على أن أسير على ذلكم الدرب بجعلكم معاشر عوض المعشر الواحد، الأمة الواحدة، الشعب الواحد. وإني راج منكم أن تلتمسوا لي عذرا واحدا من بين سبعين منحها إياي ملاذ الورى عليه الصلاة والسلام، على الأقل إلى حين إنتهائكم من الإطلاع على قادم الأسطر التي إختار لها محدثكم بأن تكون في لباس الرسائل الصادقة والهادفة، أوصي بها نفسي قبلكم بطبع الحال والبديهية المطلقة.
هي إذن ذكرى سادسة تلك التي نعيشها في هاته الأيام، على إطلاق شرارة هذا الصرح الإعلامي الثقافي الترفيهي وغيره من صنوف وألوان النعوت التي إختارها أعضائه المبجلون ومشرفوه الأكارم بفعل المبادرات والمقالات والحوارات والحصريات التي بصموا عليها. مضت ست سنوات من عطائات "كووورة مغربية"، قدم فيها من قدم، هجر فيها من هجر، رحل فيها من رحل، خاصم فيها من خاصم وسر فيها من سرر.
لن أسلك مسلك المادحين، ولا مسلك الشعراء المهرة قصد ترك بصمة في هذا المحفل البهيج، مع إحترامي لكل الإخوة الذين بصموا على ماهو مشرف وممتع، وتقديري وإمتناني لهم بكل ما جادوا به علينا من جميل الكلمات طوال هاته السنين. لا تفهموا حديثي هذا تنقيصا يمس كرامة أحدكم، ولا تفسروه نصحا في غير محله، ولا تؤولوه تطفلا على حرية جاد الله بها عليكم، ولا تترجموه محاسبة أحدكم. كل هذا وغيره، لأن لي ربا إسمه الحسيب، وهو المكلف الواحد بمحاسبة العباد يوم الحساب. كل هذا وغيره إنما هو إقتداء بخير من يقتدى به، ولكم في رسول الله أسوة حسنة، هو إقتفاء لأثر الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق. قررت السير على منحى مختلف عن الآخرين بمناسبة هذه الذكرى الحبيبة مجبرا لا بطلا، وبأن أحدث الجميع بمختلف المشارب والأهواء والأقسام، بما هو كائن كما بدا لي، وأرجو من العلي القدير ألا أكون مخطئا. إرتأيت أن أسلك هذا الطريق لأننا بحكم ما أنزل في الذكر الحكيم ندين بالولاء إلى معطيات ومسلمات إختلفت في ثناياها وحيثياتها، وحتى في أشكالها. ستعون الآن لماذا أطلقت عليكم شرارة المعاشر عوض المعشر. لكن قف هاهنا!!!! وكيف لي أن أسمح لنفسي بالتطفل على إخوتي في الدين والعقيدة مادام الله قد خلقنا شعوبا وقبائل بأنماط مختلفة من التفكير، وزوايا متعددة للرؤية. رحماك ربي لم أجد من جواب سوى إستمراري في تلاوة الآية الكريمة "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، أي نعم ربي للتعارف المؤدي للتقارب وتوطيد الأواصر.
ست سنوات مضت بذكرياتها الجميلة والحزينة، نصف هاته السنون، قضاها العبد المذنب هذا كعضو صال وجال بين القراءة والكتابة والتعارف والنقاش مع إخوة أحببتهم وأحبوني في الله. ثلاث سنوات دخل من خلالها مخاطبكم إلى عدة معتركات، وإحتك فيها بأصناف من الأعضاء. خلصت بي الفترة لرسم التأملات والوقفات، دعوني أشارككم بها لعلكم تضفون علي الإضافة اللازمة أو تقيمون المعوج الذي وقعتُ فيه من خلال هذا الموضوع أو سابقيه.
سنكذب على أنفسنا، وسنقلل من إحترامنا تجاه الآخرين، بل وسنفقد مصداقيتنا إن نحن صورنا ما شاب المنتدى منذ إنطلاقه بالجمالية المطلقة أو نقيضتها البشاعة الكاملة. أيها المعاشر، إني محدثكم بكلم طيب فاسمعوه وحضروا قلوبكم قبل نواظركم، وليرحل الآن كل إنسان منا عبر ذاكرة الزمن الذي قضاه في بهو ضيافة هذا المنتدى، وليطرح عيوبه وزلاته في حق إخوته وأخواته لعلنا نكفر عما رهنا به أنفسنا من الأوزار والآثام، ولنملك حيزا من الشجاعة لعلنا نسمو بأنفسنا إلى الأعالي.
إني محدثك أيها المسلم، وحري بي وبك أن نستشعر معنى المصطلح. كلنا إعتزاز بالإسلام أيها المسلم، فهلا فهمت مصطلح المسلم؟؟؟؟ قد فرضت علينا هبة الله نعمة قل من إستوعب قيمتها، وإستثمرها على الوجه الذي يرضاه الله وحتى العباد. إنها نعمة عالم إفتراضي قربت البعيد وأوجزت المسافات، أنارت سراج المعرفة، خلقت معارف وصداقات، تُرجمت واقعا أضاء دروب الخير والإحسان. وبالرغم من ذلكم فالرجوع إلى الأصل أصل، والأصل في هذا المنتدى الذي تقاسمناه إفتراضية حتمتها طبيعة الشبكة العنكبوتية. ولأن لكل شيء أصل وفصل، فإن الأصل في هذا العالم الإفتراضي بدوره هو الإحتكاك بالآخرين وما يلازمه من التعبير عن الأفكار والأخذ والرد معهم في مختلف أمور الحياة.
هي تأملات كثيرة لعلها تعينني على الوصول إلى هدفي المنشود، المتمثل في وقوف كل شخص منا وقفة محاسبة جادة في زمان تنفع فيه المحاسبة الذاتية، قبل أن أرحل وإياكم إلى المصير المحتوم، يوم يقول المجرمون "ياويلتنا مال هذا الكتب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا". إرحل إلى الوراء وتذكر ما جنيت من هذا المنتدى، وعدد السلب والإيجاب، واحص المر والحلو.
وبالعودة إلى التأملات، فمن خلال الساعات الطوال التي كنت ألازم فيها هذا المنتدى، قسمت الأعضاء في مخيلتي إلى صنفين إثنين:
1ـ صنف يضبط تعامله بالحسنى وطيب الكلام. 2ـ وصنف لا يتقيد بأي ضابط في سلوكياته، ويتركها تنطلق دون حسيب أو رقيب.
وقبل الخوض في تشريح الصنفين، لا بد من الرجوع شيئا إلى الوراء، من خلال طرح بديهي لهذا السؤال: مالسبب في ولوجنا إلى هذا المكان الوهمي؟؟؟؟ الأجوبة تتعدد، ويطفو على سطحها خلق صداقات جديدة، الإطلاع على جديد الأخبار، الترفيه على النفس، تمضية وقت الفراغ وغيرها من الدواعي التي قد تغيب عني الآن. غير أن الباعث الأساس في رأيي والذي يعتبر قاسمنا المشترك جميعا، أظنه بل أجزم تسطيره تحت مسمى "إطلاق المخزون والمكنون داخل النفس"، والذي لا نجد من مكان لتفريغه سوى هذا العالم الإفتراضي، ولا في أرض الواقع لسبب أو آخر قد يخرج عن قدراتنا. ولأن سلطة الرقابة تكاد تنعدم في هذا الفضاء الإفتراضي، أقول الرقابة بمعناها الأصلي وليس بمفهومها الذي تولد في أيامنا هاته. قلت ولأنها تكاد تغيب فقد أضحت في ملكية كل عضو مساحة كبيرة من الجرأة. وهذا هو بيت قصيد هذا المقال وجوهر مضامينه، وعليه سأمر إلى تشريح الصنفين السالفي الذكر.
فأما الصنف الأول الذي ضبط مواضيعه، ردوده ووعوده بميزان قد يختلف في مسمياته، سموه إن شئتم ميزان الشريعة، ميزان المروءة، ميزان المبادئ، ميزان التربية الحسنة أو غيرها من المسميات. هذا النوع من الأعضاء في الغالب لا تجد معه أدنى صعوبة في النقاش أو حتى التعامل، حتى وإن تخلل الأخذ والرد معه بعض الشوائب أو سوء الفهم، فإن الوضع لا يلبث هنيهة حتى يعود إلى المسلك القويم والإفادة والإستفادة في نفس الآن. هو النوع من الأعضاء الذي إستثمروا شحنات القلب والعقل الزائدة خير استثمار، وقيدوها بميزان الكلمة الطيبة التي لها من الأجر ما لا يعلمه إلا الله، هم الأعضاء الذين كبلوا أنفسهم بحبال الشرع، ومن تم طيب الأخلاق وحسن التربية، قيدوا الجرأة بوازع أخلاقي وضمير حي، ولم يتركوها تابعة للهوى، فاستنارت علاقاتهم بسراج الود والحب في الله، فنالوا ما نالو من وفير الجزاء في الآخرة، قبل أن يظفروا بنظيره في الحياة الدنيا.
وأما الصنف الثاني، فلست أدري ما أقول، ومن يدري ؟؟؟؟ هؤلاء بدورهم يحتاجون إلى تقسيم آخر، وذلك راجع إلى عدم ضبطهم للجرأة التي من الله عليهم بها في هذا الفضاء الإفتراضي. فقسم أول أطلق العنان لمكنوناته المسجونة بفؤاده، فانطلقت دون حسيب أو رقيب، إنطلاقة عمياء، وكأني بها خارجة من الأسر فعاثت في طريقها فسادا وتدميرا. وقسم ثان لم يأبه بالآخرين فأطلق سمومه دون دراية، تحت ذريعة التخفي وراء الحاسوب. وقسم ثالث إستغل إفتراضية الشبكة العنكبوتية حتى يرسم لنفسه مكانة خيالية بعيدة كل البعد عن واقعه المعاش، فإما تراه بذلك الشيخ الفاضل الجليل وياليته كان كذلك، وإما تراه بذاك الفارس المقداد الذي لا يهاب أحدا، فهاهو يتوعد هذا وذاك بتكسير الأسنان.
ماذا بوسعي أن أقول ؟؟؟؟؟ ومن أكون أنا حتى أقول ؟؟؟؟ دنياك ساعات صراع الزوال، وإنما العقبى خلود المآل، فهل تبيع الخلد يا عاقلا؟ وتشتري دنيا المنى والضلال. طبعا أكاد أقسم أن لكل شخص ستمر عيناه على هذا المقال، نصيب من أحد الأصناف التي ذكرت، وأتوسم الخير في الكل والله. الآن وقد شخصت الداء، فهل من دواء ؟؟؟؟؟
وهنا لن يحيد أي تصرف ذكر أعلاه عن إزدواجية الخطأ والصواب للطبيعة البشرية، سواء تعلق الأمر بالصنف الأول أو الثاني. و لن ننئى بأنفسنا مهما جهدنا عن الخطأ لإفتقادنا للعصمة من رب السموات والأرض كما أسلفت. لحد الساعة تبدو الأمور وكأنها في إطار المعتاد الذي يعرفه القاصي والداني، بيد أن الأخطاء بطبيعتها تنقسم إلى قسمين رئيسيين: منها ماهو بريء، غير متعمد، غير معروف. ومنها ماهو متعمد أو منبوذ. أما الأول فداخل في خانة ما ذكر أعلاه بحكم الطبيعة الإنسانية، وأما فيما يتعلق بالثاني فهو الذي ينم عن جهالة إنبعثت من رماد رذيلة الأخلاق وكبت الحياة اليومية.
هي رسالة موجهة إلى نفسي الأمارة بالسوء، وإلى نفوسكم التي أتوسم فيها الطمأنينة فحواها: أننا أمام عالم إفتراضي، والنعت يغني عن كل إعراب، لأنه يكفي طرح مصطلح الإفتراض على كفة ونقيضه الواقع على الكفة الثانية، وسترون أي الكفتين سترجح لأهميتها في عالمنا المعاش. قد تختلفون معي إن أصررت على القول بأنه رغم ما أخرجناه من هذا الفضاء الخيالي إلى أرض الواقع، والمتجسد في لقائات وبوادر بمختلف مجالاتها، إلا أن هذ العالم سيبقى وهميا في أصله ولن يكون بمقدورنا تغييره الكلية واقعا ملموسا، وعليه سنجد أنفسنا دائما أمام تستر مستديم كان أم متقطع خلف الحواسيب، ويبقى ميزان المراقبة الذاتية المنبعثة من وازع ديني، تجسده آي القرآن وأحاديث الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه. يبقى هذا الميزان هو الكفيل لوحده في تحديد الإطار الذي تريد أن تتبناه أخي العضو المسلم وأختي العضوة المسلمة.
هناك ما هو أهم من هذا العالم الوهمي، وهناك ما هو أهم من الكرة التي نجن بها عشقا وولعا، فلنحفظ ألسنتنا وأوقاتنا من خبيث القول، ومن مشاحنات لن تفيدنا قيد أنملة في الوصول إلى مبتغياتنا التي قد تنفعنا دنيويا وأخرويا. ولنستثمر هذا الفضاء للترفيه عن النفس بما هو طيب حلال، قصد إلتماس طرائف الحكمة لقلوبنا التي تشحن بذرات زائدة، تحتاج إلى تفريغ مستعجل، وتفريغها نجده عبر مسلكين لا ثالث لهما:
إما أن نسلم أنفسنا لميزان رباني تكون نتيجته إحترام وتقدير في الدنيا، وغنيمة في الآخرة. وإما أن نسلم أنفسنا لشيطان تملك هوانا، وتكون النتيجة إنتصار وهمي يجني علينا فقدان الإحترام والتقدير في الدنيا، والخسران في الآخرة.
إنها كرة القدم وإنه منتدى كووورة مغربية اللذين أضعهما في خانة طرائف الحكمة، فإنظروا لأنفسكم لمن تريدوا أن تهبوا أنفسكم، أوقاتكم وأقوالكم
آ لله أم للهوى.
أحبكم في الله.
تقبلواتحياتي.[color=green][/color
حـــــــــــــــلــــــــمـــــــي رضــــــــــا :
pigeonmaroc@hotmail.fr
:475 :